دراسات أندلسية وموريسكية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموريسكيون فى الفكر التاريخى

اذهب الى الأسفل

الموريسكيون فى الفكر التاريخى Empty الموريسكيون فى الفكر التاريخى

مُساهمة  Gamal Abdel Rahman الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 4:38 pm

[color=blue]الكتاب الذى أقدم له الآن هو أول كتاب وصل إلىّ عن القضية الموريسكية. اشتريته فى مدريد وأرسلته إلى صديق تونسى. لكننى لم أتمكن من الاطلاع عليه إلا بعد فترة غير قصيرة ، فقد كنت حينها أعد لرسالة الدكتوراة. مرت الأعوام ورأيت أهمية الاطلاع عليه فبحثت عنه فى مكتبات مدريد لكنى لم أجده. أخيرا علمت أن صديقا لى قد تولى إحدى إدارات دار نشر كاتيدرا. زرته فى مكتبه وطلبت منه نسخة من الكتاب. بعد دقائق قدم لى صديقى الكتاب قائلا:"هذه هى آخر نسخة من الكتاب فى دار النشر، وهى هدية لك".

أما المؤلف فهو ميغيل أنخيل بونيس إيبارا ، أحد كبار المتخصصين فى التاريخ الموريسكى. عرفته عن طريق مؤلفاته الكثيرة قبل أن أتعرف عليه شخصيا. كنت قد تمكنت أخيرا من الاطلاع على الكتاب ورأيت أن يترجم إلى اللغة العربية ، وكان علىّ أن أقابل المؤلف لكى أحصل على موافقته. عندما حدد لى موعدا لزيارته كنت أظن أنه شارف على سن الإحالة إلى التقاعد ، وقد أدهشنى أن أرى شابا قدم لى نفسه على أنه بونيس إيبارا. ضحكنا كثيرا من المفارقة وأمضينا نحو أربع ساعات فى مكتبه بالمجلس الأعلى للبحث العلمى بمدريد نتحدث عن الموريسكيين وعن العلاقة بين الإسلام والغرب بشكل عام.
يبرز الكتاب وجود موقفين للتأريخ الإسبانى من القضية الموريسكية ، لكن المطالع لكتاب باروخا – "مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492"- (1) يستطيع أن يجد عيبا فى الكتابات الإسبانية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر: لقد وصل الأمر إلى إخفاء معلومات واختزال خطابات وجهت إلى الملك تتضمن نقدا للكنيسة . حدث ذلك نظرا للضغوط الموجودة انذاك فلم يكن من المسموح على الإطلاق انتقاد الكنيسة علنا .إن مؤرخا مثل أورتادو دى مندوثا؟ - وهو سليل عائلة من النبلاء- لم يستطع نشر كتابه عن حرب غرناطة إلا بعد عشرين عاما كاملة . إذا كان سلسل النبلاء يعجز عن نشر كتاب فهل كان من الممكن لمؤلف عادى أن يبوح بتعاطفه مع الموريسكيين؟
لهذا أشرنا فى أكثر من مناسبة إلى أننا لا نطمئن إلى كتابات المؤرخين الإسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر ، فالكتابات التى تتسم بقدر من الموضوعية - مثل كتابات أورتادو دى مندوثا- لم يكن بمقدورها أن ترى النور ، وكان عليها أن تظل حبيسة الأدراج إلى حين .
هذا الكتاب يتفق فى جانب منه مع كتاب اخر ترجمناه منذ سنوات ونشر ضمن إصدارات المجلس الأعلى للثقافة .أتحدث عن كتاب "المستعربون الإسبان فى القرن التاسع عشر " لمانويلا مانثاناريس (2) . فى هذا الكتاب الأخير ينقسم المستعربون إلى فريقين : فريق يرى جوانب إيجابية فى الحضارة العربية الإسلامية ، وفريق لا يرى فى ثقافتنا إلا عيوبا. الكتاب الذى نقدم له يتحدث عن موقف المؤرخين الإسبان من القضية الموريسكية ، ونلاحظ أن موقف المؤرخين من القضية الموريسكية لا يختلف عن موقف المستعربين من الحضارة العربية الإسلامية . هناك شئ آخر يبرز فى الكتابين : كان المستعربون الإسبان المنصفون لحضارتنا قلة فى بادئ الأمر ثم ازداد عددهم مع بداية القرن العشرين حتى أصبحنا اليوم نرى مستعربين إسبان يدافعون بحماس شديد عن حقوق عربية فى تاريخنا المعاصر (أتحدث هنا عن غويتيسولو وعن خيما مارتينيث على سبيل المثال) إذا انتقلنا إلى كتاب بونيس إيبارا سنجد أن المؤرخين الإسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر كانوا يبدون تأييدهم لقرار طرد الموريسكيين من وطنهم الإسباني ، ولم تكن الظروف السياسية المعاصرة آنذاك تسمح لأحدهم بإبداء موقف مخالف للتيار العام. فيما بعد رأينا بدايات دراسات تتحدث على استحياء عن حقوق للموريسكيين وعن جوانب إيجابية لهم ، وبمرور الوقت وصلنا إلى القرن العشرين فازداد عدد المؤرخين الإسبان الذين يعترفون بأن مسلمى الأندلس قد تعرضوا للظام من بنى وطنهم من المسيحيين الإسبان . كان علينا أن ننتظر حتى القرن العشرين لكى نقرأعن "القضية الموريسكية من وجهة نظر أخرى"(3).
لكن هذا الكتاب يختلف فى أمر ما عن كتاب"المستعربون الإسبان "، فهذا الكتاب الأخير يعرض أعمالا كتبت فى القرن التاسع عشر أى حين كان هناك إمكانية نسبية لإعداد دراسات موضوعية .أما الكتاب الذى نقدم له فيتعرض لمؤرخين إسبان فى عصور مختلفة من بينها القرن التاسع عشر.

يقول البروفيسور داريو كابانيلاس عن هذا الكتاب : "عندما ينتهى أحدنا من قراءة هذا الكتاب يفاجأ بأن الكتاب، رغم قلة عدد صفحاته، يقدم تحليلا جادا ومفصلا للدراسات الرئيسية المتعلقة بهذا الموضوع ولكتب أخرى ليست معروفة كليا ، والمؤلف يعتمد دائما على النصوص لكى يحدد بدقة ووضوح موقف كل كاتب"(4)

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول ويتبع المؤلف فى هذا التقسيم ترتيبا زمنيا ، مما يسهل عملية القراءة.
فى الفصل الأول يتعرض لموقف المؤرخين المعاصرين للمشكلة الموريسكية ، ونرى هنا بدايات موقف التأريخ الموريسكى من قضية مسلمى الأندلس.
يستهل المؤلف الفصل الأول بعرض عام لقضية الموريسكيين نفهم منه أن المشكلة كانت متعددة الجوانب : فهى دينية فى جوهرها ، لكنها تتخذ أبعادا اقتصادية وسياسية واجتماعية كذلك.
فى ذلك الحين كان البحر المتوسط مسرحا للمعارك الحربية بين الأسطولين التركى والإسبانى ، وكان الموريسكيون يرون فى القوة التركية عنصر تأييد لهم فى مواجهة البطش والاضطهاد الذى يتعرضون له باستمرار على يد المسيحيين الإسبان ، وعليه فإن بعض الإسبان كانوا يرون فى الموريسكيين جواسيس محتملين للأتراك. صحيح أن ماركيث بيانويبا يثبت –فى كتابه "القضية الموريسكية من وجهة نظر أخرى"- أنه لم تكن هناك خطورة فعلية للاسطول التركى على السواحل الإسبانية ، لكن فى ذلك الوقت أشيع أن الموريسكيين يتصلون بالأتراك ، مما أسهم فى تكوين رأى عام للمؤرخين الإسبان مناهض للموريسكيين. بقى أن نشير إلى أن السلطات الكنسية والسياسية كانت تعلم أن الموريسكى لا يشكل خطرا حقيقيا على أمن الوطن ، لكنها استغلت هذا الجانب لتحقيق مصالح سياسية.
هذا الجو المشحون أدى إلى صدور قرارات تحظر التحدث باللغة الغربية والكتابة بها ، وتحظر استخدام الملابس التقليدية الموريسكية ، وكان ذلك بمثابة إحدى الشرارات التى أدت إلى اندلاع ثورة الموريسكيين.
استمرت الحرب بين الموريسكيين الثائرين والقوات المسيحية حوالى ثلاث سنوات ، وانتهت المعارك بهزيمة الموريسكيين.
كان من الطبيعى أن تنعكس كل تلك الأحداث فى كتابات المؤرخين الإسبان ، وقد أدى الجو العام المناهض للموريسكيين إلى أن نتمكن من الاستماع إلى صوت واحد فقط ، هو صوت المتعصبين ، أما الصوت المتعاطف مع الموريسكيين فقد لزم الصمت طوعا أو كرها.
على الرغم من ذلك فإن أحدا –حتى أكثر المؤلفين تعصبا- لم يفكر فى نفى الموريسكيين كحل للمشكلة. أما بعد أن اتخذت السلطات الرسمية قرارها بطرد الموريسكيين فقد تحول المؤرخين الإسبان إلى أبواق دعائية لتبرير المرسوم الملكى ، ولم يكن بمقدور أحد أن يتحدى الاتجاه العام والسلطة الرسمية.
هذا عن المؤرخين ، أما عن الأدباء فنقول إن معظمهم أيد قرار الطرد بوضوح –لوبى دى بيغا- وإن من اعترض عليه لم يكن بمقدوره الإعلان عن ذلك صراحة، وإنما بشكل يكتنفه الغموض (ثيربانتيس مثلا).
أما الأشعار الشعبية مجهولة المؤلف فلا نجد فيها إلا مناهضة للموريسكيين ومدحا للملك الذى طردهم من إسبانيا. على أننا لا نطمئن كثيرا إلى مضمون الأشعار الشعبية ، ونظن أنها تعرضت لإعادة صياغة فيما بعد، بما يتفق مع وجهة النظر الرسمية، ومن ثمّ فهى لا تعبر بالضرورة عن جوهر الشعب الإسبانى (5)
ظل الأمر على هذا النحو حتى جاءت فترة حكم فيليبى الرابع ، حين بدأ المؤرخون الإسبان يتحدثون عن الآثار السلبية التى ترتبت على قرار طرد الموريسكيين.(يتبع)

Gamal Abdel Rahman
Admin

المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

https://estudiosmoriscos.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى