دراسات أندلسية وموريسكية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقدمة كتاب "المسلمون واليهود فى مملكة فالنسيا" ترجمة رانيا محمد أحمد، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن

اذهب الى الأسفل

مقدمة كتاب "المسلمون واليهود فى مملكة فالنسيا" ترجمة رانيا محمد أحمد، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن Empty مقدمة كتاب "المسلمون واليهود فى مملكة فالنسيا" ترجمة رانيا محمد أحمد، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن

مُساهمة  Gamal Abdel Rahman الثلاثاء أبريل 14, 2009 2:38 pm

مقدمة المراجع

يسعدنى أن أقدم إلى القارئ العربى ترجمة كتاب "المسلمون واليهود فى مملكة فالنسيا" للزميلة الدكتورة دلورس برامون الأستاذة بجامعة برشلونة الإسبانية، وقد التقيت بالمؤلفة لأول مرة فى مؤتمر علمى منذ اثنى عشر عاما، وأحسب أنها من القليلين الذين يغلبون الجانب الموضوعى على النزعة العاطفية فى دراساتهم، وهى حين تتحدث هنا عن الأقلية من المسلمين واليهود - فى مجتمع يسيطر عليه المسيحيون عددا ونفوذا- تشير إلى الظلم الذى وقع على الأقليتين عندما أراد المسيحيون المنتصرون أن يوطدوا سلطانهم فى بلد كان يحكمه المسلمون.

ذات مرة كتبت الزميلة غارثيا أرينال الأستاذة بالمجلس الأعلى للبحث العلمى بمدريد مقالا رائعا حول مستقبل الدراسات الموريسكية(1) ، وجاء فى المقال أن بعض المؤلفين سيعالجون القضية الموريسكية من منطلق محلى بحت، أى أن أبناء إقليم ما سيستخدمون وثائق القضية الموريسكية لدعم موقفهم وهم يطالبون بمزايا لإقليمهم. أذكر أن أرينال كانت تشير إلى ابتعاد ذلك النوع من الدراسات عن الهدف الأساسى الذى نلتف حوله، ألا وهو إظهار مدى الظلم الذى تعرض له شعب إسبانى بسبب تمسكه بالإسلام وببعض العادات الخاصة. أستطيع أن أؤكد أن الكتاب الذى بين أيدينا لا ينتمى إلى ذلك النوع من الدراسات الذى حذرت منه أرينال، فالمؤلفة لا تتطرق إلى مواقف قومية، بل يحدث العكس تماما إذ تقول إنها كواحدة من أبناء قطالونيا قد عرفت معنى أن يهمش الإنسان فى وطنه وبالتالى فهى تتفهم قضايا الأقليتين: المسلمة واليهودية.

هناك أمر يجب توضيحه: على القارئ أن يفرق بين يهودى الأندلس واليهودى الذى يحتل فلسطين حاليا، فيهودى الأندلس كان مواطنا يختلف دينه عن دين الغالبية، ومن ثم كانت له حقوق وعليه واجبات فى إطار لم يكن يستطيع تجاوزه.

لم تكن لليهود شكوى إبان الحكم الإسلامى، بل كان يشارك بشكل أو بآخر فى الحياة السياسية ، أما عندما استولى الكاثوليك على مقاليد الأمور فقد تغير حال اليهود وتعرضوا للاضطهاد.

تعرض اليهودى للاضطهاد كما تعرض المسلم للاضطهاد: من هنا تعالج المؤلفة وضع الأقليتين فى كتاب واحد. إن القمع الذى مارسته السلطات الكاثوليكية قد أدى إلى وجود نوع من التعاطف بين المسلمين واليهود من أبناء الأندلس، وقد انعكس ذلك التعاطف فيما بعد حين اضطرت الأقليتان إلى الهجرة والبحث عن وطن بديل خارج إسبانيا. لا يغيب عن ذهننا أن التعاطف كان موقفا سياسيا، أما من حيث العقيدة فالجدل الدينى بين المسلمين واليهود –حتى فى تلك الأوقات العصيبة- كان مستمرا، والمخطوطات الموريسكية المحررة فى ذلك العصر حافلة المساجلات بين المسلمين والمسيحيين من ناحية، وبين المسلمين واليهود من ناحية أخرى.(2) يجب أن نوضح كذلك وجود جدل دينى بين المسيحيين واليهود فى شبه جزيرة إيبريا وفى خارجها.

يصحح الكتاب بعض الأخطاء الموجودة فى كتب التاريخ القديمة. كانت تلك الكتب تتحدث عن رفض المجتمع المسيحى الإسبانى لليهود، وهو أمر حقيقى من وجهة نظر العقيدة، أما المصالح الاقتصادية فكان لها شأن آخر. إن المسيحيين الذين طردوا اليهود لأسباب دينية قد تراجعوا وسمحوا بعودة اليهود لأسباب اقتصادية، بل وعرضوا تقديم امتيازات لليهود حتى يوافقوا على العودة إلى المناطق الإسبانية التى طردوا منها.

يبرز الكتاب أن اليهود –على قلة عددهم- كانوا يعملون فى مهام لا غنى عنها كالترجمة والتجارة. فى ذلك العصر كان الصراع على أشده بين مسيحيى أوربا ومسلمى الشرق، وكان الطرفان يستعينان باليهود فى أعمال الترجمة. على أن اليهودى فى بعض الأحيان كان يتجاوز دور الترجمة ليدس أنفه فى أمور المفاوضات بين المسلمين والمسيحيين، وفى أحيان أخرى كان تدخل اليهود فى المفاوضات يتم بموافقة أحد الطرفين المتصارعين أو كليهما.

نجد لدى المؤلفة الجرأة والموضوعية اللتين تمكناها من الاعتراف بحقيقة طالما حاول البعض أن يطمسها: لم يكن الغزاة المسيحيون متسامحين مع الأقليتين المسلمة واليهودية. نجدها تعترف كذلك بأن توحيد الممالك الإسبانية إنما تم بحد السيف ولم يكن تحقيقا لرغبات شعوب تلك الأقاليم على حد قول كثير من المؤرخين الإسبان. وهى تعترف أيضا بأن عدم طرد المسلمين من مملكة فالنسيا فى البداية لم يكن من قبيل التسامح الدينى وإنما كان مبعثه الدافع الاقتصادى، فقد كان المسلمون فلاحين مهرة وكانت الأراضى الزراعية فى أمس الحاجة إلى سواعدهم.

بعد احتلال فالنسيا الاسلامية ظهر هناك موقفان تجاه المسلم: الموقف الأول يتعاطف معه (ليس حبا فيه وإنما باعتباره يمثل يدا عاملة رخيصة تقنع بالقليل)، والموقف الثانى مناوئ للإسلام ويرى أن المسلم يجب أن يعمّد أو أن يقتل.

أننا إذ نعرض هذا الوضع فى فالنسيا نشير أيضا إلى أن الأمر فى بقية الممالك الإسبانية لم يكن يختلف كثيرا.

يبرز فى الكتاب أيضا أن الملوك المسيحيين الإسبان قد استفادوا كثيرا من الخلافات بين المسلمين ووظفوها لصالحهم، وحصلوا بالسياسة على ما لم يتمكنوا من الحصول عليه بالحروب.

تشير المؤلفة كذلك إلى العامل الاقتصادى كأحد الدوافع التى كانت وراء مطاردة محاكم التفتيش للمسلمين والرغبة فى تنصيرهم: كلما زاد عدد المسيحيين كلما زادت التبرعات للكنيسة. يمكننا أن نضيف هنا أن محكمة التفتيش كان تمويلها ذاتيا، أى أن مرتبات أعضائها كانت تستقطع من الغرامات التى تفرضها على المتهمين ومن الأموال المصادرة. هذا يعنى –من الناحية العملية—أن محكمة التفتيش لم يكن من مصلحتها أن تتوقف عن إثارة القضايا.

والكتاب يشير كذلك – وإن كانت إشارة عابرة- إلى موضوع حديث نسبيا فى الدراسات الموريسكية، ألا وهو الجانب الخاص بوجود المسلمين فى أمريكا الجنوبية خلال القرن السادس عشر: تشير المؤلفة إلى الرحلة التى قام بها مسلم إسبانى إلى أمريكا متخفيا فى هيئة مسيحى قديم وكيف أنه استقر بعد ذلك فى تونس ووضع كتابا فى كيفية صنع واستخدام المدافع. ومن المعلوم أن الكتاب قد ترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان "العز والمنافع للمجاهدين فى سبيل الله بالمدافع". وتوجد نسخة من هذا الكتاب النادر فى دار الكتب المصرية. ولا نظن الواقعة غريبة فى سياق ما كان يحدث فى ذلك العصر. كانت السلطات الكاثوليكية تحرص على ألا يسافر مسلم أو يهودى إلى العالم الجديد، ولذلك كانت تصدر تصاريح سفر لمن يريد الذهاب إلى هناك، وكان التصريح يبين اسم الشخص ويتضمن عدة بيانات أخرى. وإزاء عدم وجود صور فى ذلك الحين كان من المعتاد أن يشترى المسلم الراغب فى السفر تصريحا صادرا باسم مسيحى قديم، وهكذا كان يصل إلى أمريكا تحت اسم آخر. هذا ما يفسر عدم وجود أسماء لمسلمين فى القارة الأمريكية فى الوقت الذى كانت شعائر الإسلام تقام أحيانا فى بعض النواحى هناك.

الكتاب – إذن- يلقى الضوء على عدة جوانب ، بالإضافة إلى بيان مظاهر الاضطهاد الذى تعرض له كل من المسلمين واليهود فى فالنسيا الكاثوليكية، ونحسب أنه يضيف جديدا إلى المصادر الموجودة حاليا عن تاريخ الإسلام فى الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامى.

يبقى فى النهاية أن أقدم الشكر للدكتورة برامون ، فقد رحبت بفكرة ترجمة كتابها إلى لغتنا العربية، وأجابت عن الأسئلة التى طرحتها عليها حين غمض علينا فهم بعض الجمل والتعبيرات، ثم بادرت وطلبت منى إدخال بعض التعديلات الطفيفة على النص الأصلى، وهكذا جاء النص العربى منقحا وخاليا من بعض المآخذ الموجودة فى النص الأصلى. أشكر لها كذلك كتبة مقدمة موجزة خاصة بالترجمة العربية للكتاب.

جمال عبد الرحمن

Gamal Abdel Rahman
Admin

المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

https://estudiosmoriscos.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» مقدمة كتاب "مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492" تأليف خوليو كارو باروخا، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن
» مقدمة كتاب"المستعربون الإسبان فى القرن التاسع عشر" ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن
» كتاب "الموريسكيون فى المغرب" تأليف غوثالبيس بوستو، ترجمة مروة ابراهيم، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن
» كتاب "الموريسكيون فى المغرب" تأليف غوثالبيس بوستو، ترجمة مروة ابراهيم، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن(2)
» كتاب" المهاجرون الأندلسيون" تأليف مرثيديس غارثيا أرينال، ترجمة محمود فكرى، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى